تعثر المشاريع الحكومية في السعودية .. الأسباب والحلول

طلعت زكي حافظ

 

حدد المؤتمر الثالث لإدارة المشاريع، الذي عقد في مدينة الرياض خلال الفترة من 16 إلى 19 نيسان (أبريل) من العام الجاري، تحت عنوان: (دور تخطيط وإدارة المشاريع في نجاح المشاريع في المملكة)، بتنظيم الهيئة السعودية للمهندسين، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عددا من العوامل التي تسببت في تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية في السعودية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، عدم وجود خطة أو رؤية استراتيجية واضحة شاملة لجميع المشاريع الحكومية، إضافة إلى عدم وجود مؤشرات أداء أو قياس، تساعد في الإشراف على تنفيذ المشاريع ومتابعتها، إضافة إلى غياب تطبيق ما يعرف بمفهوم حوكمة المشاريع، الذي يفرض مستوىً معينا من الشفافية والمساءلة في تنفيذ المشاريع.

محمد عبد الله الشريف، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، حدد عددا من العوامل التي تتسبب في تعثر المشاريع الحكومية في السعودية، والتي أتت في مقدمتها وعلى رأسها، عدم الاعتناء بالمواصفات وشروط طرح المشاريع للمنافسة، وأسلوب إسناد المشاريع للمقاولين من الباطن، وأخيرا إلى الضعف الواضح في الإشراف على المشروعات، وأيضا إلى الضعف في كفاءة أعضاء لجان الاستلام الابتدائي والنهائي للمشاريع.

كشفت دراسة عن أسباب تعثر المشاريع في المملكة، عبر استبيان تم توزيعه على أكثر من 300 من مديري المشاريع، والتي نشرت تفاصيلها في صحيفة ”الوطن” في العدد 3844، أن الارتجالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بطرح المشاريع، يعد من بين أبرز أسباب فشل تنفيذ المشاريع في المملكة، إضافة إلى عدم تبني أسلوب احترافي منظم في إدارة المشاريع، حيث أكدت الدراسة، أن نحو 21 في المائة من مديري المشاريع لا يستخدمون أنظمة معلوماتية متخصصة في إدارة المشاريع في منشآتهم، الأمر الذي يؤدي إلى البطء في تناقل المعلومات ووجود تباعد كبير بين متخذي القرار ومديري المشاريع. كما أن الاجتهاد الفردي لفريق العمل في استخدام برامج إدارة المشاريع ومتابعتها، يعد من بين أبرز العوامل التي تتسبب في تعثر تنفيذ المشاريع، حيث إن هناك أكثر من 75 في المائة من المنشآت، لا تلتزم بأي برامج محددة للتنفيذ وتترك هذا الموضوع للاجتهادات.

ديوان المراقبة العامة حدد خلال الندوة السنوية السابعة بعنوان: (حول أسباب تعثر المشاريع وسبل معالجتها)، والتي عقدت في وقت سابق في معهد الإدارة العامة في الرياض، عدة عوامل ساعدت على تعثر المشاريع التي من بينها، ضعف التخطيط للمشروعات في مراحل إعداد دراسات الجدوى، ووضع التصاميم الهندسية والشروط والمواصفات الفنية، والإفراط في التقاول من الباطن، وكثرة التعديلات وتعدد أوامر التغيير بالحذف أو الإضافة أثناء مراحل التنفيذ، مما يتسبب في تمديد فترات العقود وزيادة تكاليفها المالية وتكاليف الإشراف، إضافة إلى تأخر الاستفادة من المشروع.

الخروج من مأزق تعثر المشاريع الحكومية في بلادنا أو التأخر في تنفيذها، يتطلب استحداث آلية على المستوى الوطني، تعنى بالتخطيط والترسية ومتابعة تنفيذ المشاريع الحكومية على مستوى المملكة، وليس على مستوى وزارة ما أو على مستوى جهاز حكومي معين، أو حتى على مستوى منطقة ما.

إن تحقيق هذا المطلب يستلزم وفقا للتوصيات، التي تمخضت عن المؤتمر الثالث لإدارة المشاريع، إنشاء جهاز أعلى على مستوى الدولة، يتبع للمقام السامي مباشرة، تكون من بين مهامه ومسؤولياته، التنظيم والتنسيق مع الأجهزة الحكومية والإشراف على إدارة المشاريع الحكومية، وتكون أيضا من بين مهامه تطوير خطة تفصيلية وتنفيذية شاملة للمشاريع في الدولة بالتعاون مع أجهزة الدولة المعنية والإشراف عليها من خلال استخدام مؤشرات دقيقة (فنية ومالية) بما في ذلك زمنية، لقياس مستوى جودة المشاريع، إضافة إلى تطوير منهجية علمية وعملية لإدارة المشاريع الحكومية في المملكة باستخدام أفضل الممارسات العالمية Best Practices في مجال إدارة المشاريع.

إن الارتقاء بأداء تنفيذ المشاريع الحكومية في المملكة، يتطلب أيضا إعادة النظر في تصنيف المقاولين؛ للتأكد من سلامة قدراتهم الفنية والمالية المرتبطة بتنفيذ المشاريع، بما في ذلك سلامة قدراتهم الاستيعابية على تنفيذ المشاريع، حيث إن معظم المشاريع الحكومية، التي تعثرت في الماضي، يرجع أسباب تعثرها، إلى ضعف المؤهلات الفنية والإمكانات المالية للمقاول، بما في ذلك سوء التخطيط الفني والمالي والإداري المرتبط بالتنفيذ، كما أن هناك ضرورة ملحة لإعادة تقييم تصنيف المقاولين ميدانيا وليس نظريا، وبشكل دوري؛ للتأكد من عدم حدوث تغير جوهري في القدرات المالية والفنية للمقاول.

أخيرا وليس آخرا، إن وضع معايير أو مقاييس للأداء Key Performance Indictors للمشاريع، سيساعد على متابعتها وتقيميها وفق آليات قياس علمية وعملية تحقق الأهداف التنموية المنشودة من وراء تنفيذ تلك المشاريع.

خلاصة القول، إن ضمان جودة تنفيذ المشاريع الحكومية على المستوى الوطني في المملكة يتطلب إعادة النظر في جميع الإجراءات والخطوات، التي يتم بموجبها ترسية المشاريع الحكومية على المقاولين؛ للتأكد من سلامة تلك الإجراءات، وتحقيقها الأهداف المرجوة من تنفيذ المشاريع، حيث نضمن أن ترسية وتنفيذ المشاريع الحكومية ومتابعتها والإشراف عليها، تتم في بيئة سليمة ومواتية، تحد من التلاعب ومن التباطؤ في التنفيذ، بما في ذلك تحد من تفشي الفساد الإداري والمالي.

إن تحقيق هذا المطلب، لربما يتطلب استحداث جهاز على المستوى الوطني، يعنى بقضايا التخطيط للمشاريع الحكومية، ومتابعة التنفيذ وفرض العقوبات والغرامات اللازمة على المقصرين والمهملين، بما في ذلك ضمان سلامة مؤهلات المقاولين من النواحي الفنية والمالية والإدارية، وسلامة الإجراءات والخطوات، التي يتم بمقتضاها ترسية المشاريع بما في ذلك التقاول من الباطن، والله من وراء القصد.

 

______________________________________________________

مقال للأستاذ: طلعت زكي حافظ، نُشر في جريدة الاقتصادية السعودية، العدد 6422 الصادر بتاريخ 12 مايو 2011 ،، رابط المقال:

http://www.aleqt.com/2011/05/12/article_537223.html

 

 

 

تاريخ الاضافة : Sat 23 Oct 2021 عدد المشاهدات : 555 مشاهده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

code

أسئلة؟ دعنا نتحدث
دعم العملاء
تحتاج مساعدة؟ دردش معنا على الواتس اب