د. فيصل بن الفديع الشريف
يعتبر زمن المشروع هو العامل الابرز والاوضح فيما يخص التحكم في المشروع، لأنه العامل الذي يشترك فيه اطراف العقد بدون اي قيود. ويوصف المشروع بأنه ناجح زمنيا اذا تم تنفيذه في مدته التعاقدية. ودائما ما يتم السؤال عن النسبة المنتهية من مدة المشروع ليتم مقارنتها بنسبة الانجاز في تاريخ محدد، لمعرفة حالة المشروع فيما يخص تقدمه او تأخره، بإعتبار ان هناك علاقة اساسية بين العامل الزمني والنسب المتوقعة للإنجاز. ومع ان نسبة ما انقضى من مدة المشروع ليست دليلا قاطعا على الانجاز خصوصا في المشاريع التي تحتوي في بنود اعمالها على اعمال توريدات اكثر من التنفيذ (في اعمال الانظمة والاعمال الكهروميكانيكية على سبيل المثال). الا ان المقارنة بين الزمن والانجاز تعطي انطباع اولي بالاسئلة التي يجب اثارتها فيما يتعلق بحجم الانجاز في المشروع. وما دام ان الموضوع بهذه الاهمية، فإن السؤال يكون حول كيفية تحديد الوقت العادل والكافي لتنفيذ المشروع. وعلى من تقع مسئولية تحديد مدة المشروع؟ وعلى اي اسس يتم هذا التحديد؟
لقد رأينا في واقع المشاريع الانشائية بالذات ما كانت مدته التعاقدية اكثر من اربعة اضعاف الوقت الكافي للتنفيذ، كما رأينا ما كانت مدته التعاقدية لا تكفي لتنفيذ ربع بنوده. ونحن هنا نضع السبب مسبقا لتعثر المشاريع في الحالتين. ومع ان الزيادة في مدة المشروع تعتبر بشكل اولي عاملا مساعدا ومريحا لجميع الاطراف في المشروع، الا ان الموضوع له علاقة بالتكلفة التي قد تزيد مع زيادة مدته عن الحدود الطبيعية له. كما ان لها علاقة بالتخطيط والتنسيق لتنفيذ المشروع. اما النقص الواضح في تقدير مدة المشروع الكافية لتنفيذ جميع بنوده فإنها تعتبر حكم اولي على المشروع بالتعثر عندما لا يكفي الوقت المحدد للتنفيذ او حكم اولي بالخسارة على المقاول او زيادة التكاليف على المالك عندما يتم تحميل المشروع تكاليف اضافية لمعالجة متطلبات انجاز العمل في اقصر من مدته الطبيعية.
كيفية تحديد الوقت اللازم لتنفيذ بنود المشروع تم تناوله في دراسات وابحاث كثيرة، الا ان الممارسة الاكثر تطبيقا هي تحديد المدة الطبيعية للأعمال إعتمادا على هيكل تجزأة العمل Work Breakdown Structure ، وتقدير الموارد اللازمة لكل نشاط فرعي من بنود هيكل تجزأة العمل، وصولاً للمستوى الادني للبنود التي يتم التحكم في مدد تنفيذها، ومن ثم يتم تطبيق بعض القواعد المعروفة على هذه البنود لتحديد مدة تنفيذها. وقد أورد معهد إدارة المشاريع الامريكي PMI في الدليل المعرفي لإدارة المشاريع PMBOK النسخة الخامسة، ست طرق لتقدير مدة المشروع، بداية من استشارة خبير له معرفة بالمدد التي يستغرقها تنفيذ كل نشاط، الى التقدير التناظري والتقدير بإستخدام المعاملات، والتقدير ثلاثي النقطاط وأساليب صنع القرار الجماعية وتحليل الاحتياطي. ويُعرف التقدير ثلاثي النقاط Three-Point Estimate بأنه اسلوب تقني يستخدم في تقدير التكلفة او المدة من خلال تطبيق متوسط للتقديرات المتفائلة والمتشائمة وأرجح التقديرات لتحديد مدة تنفيذ نشاط معين، وذلك بأخذ الخبرة والانتاجية المحتملة لتنفيذ نشاط ما، ومن ثم زيادة وزن الزمن الاكثر ترجيحا ان يتم فيه تنفيذ النشاط ،، وتطبيق المعادلة التالية لتحديد مدة النشاط:
بعد ذلك يتم عمل اسبقية وتسلسل اعتماد البنود على بعضها في التنفيذ حسب الجدول الزمني. ومن ثم يتم تجميع مدة البنود التي تقع في المسار الحرج للمشروع لتكون المدة المحددة للمسار الحرج هي المدة الغير قابلة للتخفيض والمدة الاطول الكافية لتنفيذ المشروع. ومع ان هذه الطريقة تبدو واقعية، الا ان الاخذ بها وتطبيقها بشكل مستمر على المشاريع لا يكون هكذا دائما، فغالبية المشاريع يتم تحديد مدتها التعاقدية بشكل تقديري مبني على خبرة المنشأة في مشاريع سابقة والمدة التي تم تنفيذ المشاريع خلالها، او اعتمادا على الحاجة للمشروع او بقرار شخصي بغض النظر عن ما قد يتسبب فيه زيادة او ضغط مدة المشروع من تكاليف اضافية على المقاول. او يتم التقدير في المراحل الاولية لإتخاذ قرار طرح المشروع قبل اكتمال التصميم او تحديد البنود التفصيلية في هيكل تجزأة العمل. وما يجب التأكيد عليه، هو الاهتمام الذي يجب توجيهه لتحديد المدة العادلة والكافية لتنفيذ المشروع التي تتناسب مع تكلفته المخطط لها بعيدا عن التقديرات الشخصية، بإعتبار ان هذا الاهتمام اساسا في نجاح المشاريع وسلامة علاقاتها التعاقدية.
التقدير العادي لتنفيذ المشروع يتم في الظروف الطبيعية، الا ان هناك تقديرات اخرى لمدة المشروع مبنية على الحاجة لإنجاز المشروع، ومدى الضرر الذي يُمكن ان يحصل من أعمال المشروع، وهو موضوع تطرقنا له في مقال سابق (إدارة تنفيذ المشاريع داخل المدن)، وفي مثل هذه الحالات يتم ضغط مدة المشروع بعمل جداول زمنية يتم فيها انجاز بعض البنود بالتوازي، وكذلك زيادة العمالة والمعدات وحتى عدد ساعات العمل (العمل بنظام الورديات). هذا الموضوع له علاقة بالتكلفة، اذا ان الترتيبات التي من شأنها التقليل من مدة تنفيذ العمل عن مدته الطبيعية لها علاقة طردية مع التكلفة او الجودة او كليهما، وتحتاج في هذه الحالة الى معالجات اخرى.
د. فيصل الفديع الشريف
الرياض
السبت، 24 ذو القعدة 1437هـ، الموافق 27 أغسطس 2016م.
اترك تعليقاً