د. فيصل بن الفديع الشريف
كنت احضر قبل عدة أيام محاضرة قانونية عامة ضمن الأنشطة الثقافية والمعرفية التي تنظمها الأندية الطلابية بكليات الشرق العربي. ورد في المحاضرة ان “القانون لا يحمي المغفلين” وهو ما اثار حفيظة الأستاذ الدكتور محمد النجيمي الذي طلب المداخلة قائلاً ان القانون وضع أصلا لحماية المغفلين والجهلة والمستضعفين والمظلومين. والحقيقة ان البيئة التي تحيط بنا ونعيش عليها وبها ومنها، تعاني من كثيرا من الظلم والإهمال والتجاهل والتعدي والعبث والتخريب بقصدٍ او دونما قصد. وهو امرٌ يتعدى اثره على الانسان والحيوان والنبات والماء والهواء وكل الموارد الأساسية للحياة التي تمدنا بها البيئة. والامثلة على ذلك كثيرة، منها تلوث المياه بمادة الزئبق مما تسبب في إصابة السكان بمرض إضطراب الاعصاب الحاد (ميناماتا) في اليابان في خمسينات القرن الماضي. وكذلك تسرب حوالي خمسة ملايين برميل نفط في خليج المكسيك عام 2010 مما أدى الى تدهور بيئي وتلوث السواحل وتأثير سلبي على الكائنات البحرية القريبة، وتلويث مياه الخليج العربي بالنفط في اثناء ازمة الكويت عام 1990. كما ان إشكالية الاستنزاف والرعي الجائر والاستخدام السيء، ساهمت في تدمير الغطاء النباتي واختفاء آثاره الإيجابية، بالإضافة الى شواهد وامثلة كثيرة جدا.
لقد تنبهت المملكة العربية السعودية للموضوع البيئي وأولته الاهتمام الأكبر، وما اطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لمبادرة السعودية الخضراء الا احد الشواهد على هذا الاهتمام سواء ضمن رؤية المملكة 2030 او في غيرها. لقد تم اطلاق اكثر من 77 برنامجا موجها للبيئة والنمو المستدام، بإستثمارات تجاوزت 700 مليار ريال تستهدف تقليل الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويا، وزيادة الغطاء النباتي بزراعة 10 مليارات شجرة لتأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي، بالإضافة الى حماية 30% من المناطق البرية والبحرية في المملكة بحلول عام 2030. وقد تحققت ولله الحمد ثمرات كثيرة لهذه الخطط وهذا الالتزام، منها إنجاز 700 ميقاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تم توصيلها بالشبكة عام 2022 لتشغيل اكثر من 100 الف منزل، بالإضافة الى 17 مشروعا قيد التطوير بطاقة إجمالية تبلغ 13.76 جيجاوات، وزراعة ملايين الأشجار واستصلاح اكثر من 60 الف هكتار من الأراضي.
ويأتي تنظيم كلية الشرق العربي للحقوق للمؤتمر العلمي السادس لجمعية محاضري القانون البيئي في جامعات الشرق الأوسط وشمال افريقيا الذي سيكون خلال الفترة من 25-27 شعبان 1446 الموافق للفترة من 24-26 فبراير 2025 شاهدا على أهمية الموضوع ومدى إلتفات المشرعين والقانونيين له، لوضع الأسس والتشريعات والقوانين الصارمة التي تعزز الجهود وتساعد في الحفاظ على البيئة والعناية بها، وذلك باعتبار الزامية القانون وان الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن. وهو ما يجعلنا نستبشر خيرا في القادم من الأيام فيما يتعلق بآثار الجهود الدولية والمحلية التي تستهدف البيئة وحمايتها والحفاظ عليها لأجواءٍ أنظف، وحياة أجود وأفضل.
مقال نُشر في صحيفة “إشراقة” التي تصدرها كليات الشرق العربي، العدد 68 الصادر في الاول من رمضان 1446هـ الموافق الاول من مارس 2025.
للإطلاع على كامل العدد رقم 68 ،، يُمكن الضغط هنا ..
اترك تعليقاً