الفساد في مشاريع البناء: دور الحوكمة في ضمان نزاهة عقود الفيديك

ليال محمد قدسي

 

تُشكل مشاريع البناء عصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكنها في الوقت نفسه، تتحول أحيانًا إلى بؤرة للفساد، مما يقوض هذه المشاريع ويحولها إلى كابوس يؤرق المجتمعات. تتجلى صور الفساد في هذه المشاريع بأشكال متعددة، من الرشاوى والتلاعب بالمواصفات إلى إهدار المال وتجاوز القوانين. وفي هذا السياق، تبرز عقود الفيديك كأداة أساسية لتنظيم العلاقة بين أطراف المشروع، لكنها قد تتحول إلى ثغرة إذا لم يتم تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة. فغياب بنود الحوكمة الواضحة في عقود الفيديك يفتح الباب أمام خسائر مالية ضخمة، لا تقتصر على تكاليف المشاريع المتضخمة، بل تمتد لتشمل تدهور سُمعة الشركة في سوق الاستثمارات، وانخفاض سعر أسهمها، مما يؤدي إلى خروج المساهمين، وتفاقم الأزمات المالية والقانونية.

عقود الفيديك: بين الحماية والثغرات:

تهدف عقود الفيديك إلى توفير إطار قانوني واضح ومنصف للعلاقة بين أطراف المشروع، لكنها لا تخلو من الثغرات التي يستغلها الفاسدون. ومن هذه الثغرات:

·       غموض بعض البنود: قد تكون بعض بنود العقد غامضة أو قابلة للتأويل، مما يتيح للمقاولين التلاعب بها لتحقيق مكاسب غير مشروعة، من خلال تضخيم التكاليف، وإجراء تغييرات غير ضرورية، وتأخير المشاريع للمطالبة بالتعويضات.

·       ضعف آليات الرقابة: قد لا تكون آليات الرقابة على تنفيذ العقود فعالة، مما يتيح للمقاولين التلاعب بالمواصفات أو تضخيم التكاليف دون رقيب أو حسيب.

·       غياب الشفافية: قد تفتقر بعض عمليات التعاقد إلى الشفافية، مما يتيح للمقاولين تغيير الوثائق والمستندات لتقديم بيانات مضللة حول جودة المواد المستخدمة لتنفيذ المشروع، وتحقيق أرباح غير مشروعة من خلال تقليل تكاليف المواد، مما يتسبب في تأخير المشروع وزيادة تكاليف الإصلاح.

الحوكمة: درع واقٍ ضد الفساد:

لمواجهة الفساد في مشاريع البناء، لابد من تطبيق الحوكمة الرشيدة، وتحديث عقود الفيديك بما يتناسب مع معايير الحوكمة التي تضمن الشفافية والمساءلة والنزاهة. ومن أبرز آليات الحوكمة التي يمكن تطبيقها في عقود الفيديك:

  • وضع معايير واضحة للنزاهة: يجب تضمين عقود الفيديك بنودًا واضحة تحظر الفساد وتحدد العقوبات على المخالفين بشكل مفصل (عقوبات مالية، إدارية، جنائية).
  • وضع بنود تتعلق بتضارب المصالح: إلزام جميع الأطراف المتعاقدة بالإفصاح عن أي مصالح قد تتعارض مع مصالح المشروع، وتجنب القرارات المتحيزة، ووضع آليات لمنع اتخاذ قرارات متحيزة لصالح أي طرف من الأطراف، وفصل الأدوار بين الجهات التي تتخذ القرارات والجهات التي تنفذها، لضمان عدم وجود تضارب في المصالح.
  • تعزيز الشفافية في عمليات التعاقد: يجب أن تكون عمليات التعاقد شفافة وتخضع للمنافسة العادلة، وأن يتم نشر جميع المعلومات المتعلقة بالعقود على الملأ، ووضع بنود واضحة ومفصلة لتفعيل آليات الرقابة الإلكترونية، وإلزام الشركات بنشر معلومات العقود على منصات عامة، وتضمين العقود بنودًا خاصة بالتطورات التكنولوجية وإدارة المخاطر الناتجة عنها.
  • تفعيل آليات الرقابة: يجب تفعيل آليات الرقابة على تنفيذ العقود، من خلال إنشاء هيئات رقابية مستقلة وتطبيق نظام “التدقيق المالي والتقني” لضمان الالتزام بالمواصفات والمعايير و الجودة، والكشف عن أي مخالفات أو تجاوزات.
  • إشراك المجتمع المدني: يجب إشراك المجتمع المدني في الرقابة على مشاريع البناء، من خلال منحهم حق الوصول إلى المعلومات وتقديم الشكاوى.
  • بنود تتعلق بتدريب وتأهيل العاملين على أخلاقيات المهنة: تنظيم دورات تدريبية للعاملين في قطاع البناء حول أخلاقيات المهنة ومكافحة الفساد، وتأهيل العاملين على استخدام التكنولوجيا في إدارة المشاريع والرقابة عليها.

الخاتمة:

تذكروا أن ضمان نزاهة مشاريع البناء ليس مجرد مسؤولية أخلاقية، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل أعمالكم. فتضمين بنود الحوكمة الواضحة في عقود الفيديك يمثل درعًا واقيًا ضد المخاطر المالية والقانونية التي قد تهدد شركاتكم.

مقال منشور في جريدة “مال” الالكترونية بتاريخ 16 ابريل 2025.

للإطلاع على المقال على “مال”، إضغط هنا ..

 

 

تاريخ الاضافة : Sun 18 May 2025 عدد المشاهدات : 79 مشاهده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

code

أسئلة؟ دعنا نتحدث
دعم العملاء
تحتاج مساعدة؟ دردش معنا على الواتس اب