د. محمد النغيمش
فوجئ آلاف الموظفين في الجهات الحكومية الأميركية بتلقيهم رسائل إلكترونية تطلب منهم تقديم تفاصيل إنجازاتهم في الأسبوع الماضي، وذلك قبل حلول ليل الاثنين المقبل، وإلا فسيخاطرون بفقدان وظائفهم!
لا يبدو أن الملياردير إيلون ماسك المكلف من قبل رئيس البلاد برئاسة «لجنة الكفاءة الحكومية» سيكف عن أسلوب الإدارة بالتخويف. ما طلبه ماسك يسمى «استقصاداً» فهو يريد 5 نقاط موجزة تلخص ما أنجزه الموظف في الأسبوع المنصرم، ثم رفع تقارير بذلك إلى رؤسائهم، بل وقال ماسك إن عدم الرد على الطلب سيُنظر إليه على أنه استقالة! وذلك في محاولة شبيهة لما فعله مع موظفي «تويتر» بعد الاستحواذ عليها، الأمر الذي دفعهم إلى استقالات جماعية.
في الإدارة عندما يتعمد المسؤول تضييق الخناق على أحد يعتبره مقصراً فإنه يمارس معه أسلوب الضغط تارة والتخويف تارة أخرى حتى يغير من سلوكه أو يتقدم طواعية باستقالته.
ويبدو أن هذا التوجه قد جاء بعد ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أن اللجنة المذكورة ينبغي أن تكون «أكثر صرامة» في مساعيها لتقليص عدد الموظفين بالحكومة.
وقد سبق وأن طبق رئيس «جنرال إلكتريك» جاك ويلش نظام تصنيف لعاملين إلى فئات ووضع الأدنى أداء منهم (الـ10 في المائة) في قائمة الأسوأ أداءً لكي يطردهم من الوظائف. فهو يرى أن الأسوأ إنتاجية لن يتغيروا ما داموا مستمرين في هذه الخانة الدنيا لسنوات عديدة.
في علم القيادة، ليس هناك أسلوب واحد لإدارة الناس. وأثبتت دراسات حديثة أن «المرونة» أو «القيادة بحسب الموقف» أكثر تأثيراً. لكن ما لا يخفى على أحد أن أسلوب التخويف قد يثمر في استئصال غير المرغوب بهم، إلا أن ذلك يخلق على المدى الطويل بيئة عمل طاردة وسامة. وهو ما حدث في شركة «غوغل» عندما اتّبعت الأسلوب الصارم ذاته بطرد الأقل الأداء ثم يبدو أنها قد تراجعت قليلاً عن أسلوب التخويف.
هناك من يعتبر تدخل قائد كبير في أداء صغار الموظفين، «منقصة» أو انغماساً في التفاصيل micromanagement. ولذلك كان التقييم السنوي أكثر عدالة من التخويف، شريطة إعادة النظر في الأسلوب التقليدي وإدخال نماذج حديثة مثل 360 درجة الذي يقيم فيه المرء ليس من قبل مسؤوله المباشر فحسب بل من جميع الاتجاهات، كالعملاء، والزملاء، والمرؤوسين ويُعطى وزناً أكبر لرأي مديره فيه.
في النظام المعتاد ترتكز النتائج على رأي المدير فقط وهو ما أثبتت بعض الدراسات والتطبيقات عدم فاعليته. فهناك من يجيدون «التزلف» و«التملق» و«تجميل الأخطاء» فيظفرون بتقييم «مبالغ فيه» فلا تطولهم سهام التخويف. على الجانب الآخر، هناك المتفانون والمخلصون بأعمالهم لكنهم لا يحظون بقبول «شخصي» من مسؤولهم فيصبحون ريشة بمهب الريح. الصرامة في الإدارة قد تحقق نتائج سريعة لكن المبالغة فيها أسرع طريقة «لتطفيش» الكفاءات.
مقال للدكتور محمد النغيمش، نُشر في صفحة الرأي في جريدة الشرق الاوسط، في عددها الصادر يوم الثلاثاء 26 شعبان 1446 الموافق 25 فبراير 2025م.
للإطلاع على المقال من موقع الجريدة ،، إضغط هنا ..
اترك تعليقاً