الجزيرة – وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
يظهر ترشيد أو كفاءة الإنفاق الحكومي لأول مرة كفلسفة رئيسية لبناء السياسة الاقتصادية للحكومة السعودية. وهناك فارق كبير بين فلسفة تقليص الإنفاق الحكومي ومساعي رفع كفاءة هذا الإنفاق. فترشيد الإنفاق هو نمط رئيسي لزيادة كفاءته، أما تقليصه إنما هو التخلي عن بعض أوجه الإنفاق. وما يزيد من طمأنة الأسواق والشركات والمستهلكين بالمملكة أن هذا الترشيد تم التصريح علانية بأن مساعيه ستأخذ أنماطاً اقتصادية متعارفاً عليها، تجلت في التصريحات في تبني سياسة الخصخصة أو التخاصية للقطاع العام أو الحكومي، وتحويل بعض القطاعات أو الأنشطة التي تسمح طبيعة طرحها بالأسواق بتحويلها إلى القطاع الخاص.
لماذا الخصخصة الآن؟
تُعتبر الخصخصة أسلوباً اقتصادياً متاحاً لتخلي الدولة عن بعض الأنشطة الحكومية التي تمثل إنفاقاً متكرراً على قطاعات خدمية أو إنتاجية، تمس قطاعات أو شرائح عريضة من المواطنين؛ إذ تسعى الدولة إلى خصخصتها، وتحويلها إلى القطاع الخاص؛ لكي يديرها حسب قواعد التكلفة – العائد؛ فيتم رفع حملها عن كاهل الميزانية العامة للدولة في سياق خطط اقتصادية جديدة، تستهدف مواجهة تراجع الإيرادات النفطية.
والخصخصة ليست مجرد سياسة حكومية لمواجهة تراجع الإيرادات الحكومية خلال فترة تراجع الأسعار العالمية للنفط، وإنما هي مطلب شعبي وجماهيري في غالبية دول العالم حرصاً على تقديم خدمات ذات جودة وكفاءة عالية في كثير من القطاعات والأنشطة التي تمس المواطنين مباشرة. فالخصخصة هي طريق لزيادة كفاءة الإدارة والتشغيل. وفي كثير من الدول تبدأ الخصخصة بالقطاعات التي تتعلق بخدمات الرفاهية للمواطنين، لكنها سرعان ما تمتد إلى القطاعات الحيوية، التي على رأسها الخدمات الصحية والتعليمية والنقل والمواصلات والاتصالات.. وغالباً ما يثار نوع من الجدل بين متطلبات تقديم الخدمات الضرورية للمواطن بأسعار معقولة أو مجانية من قطاع حكومي ولكن بكفاءة متدنية.. وتقديمها بكفاءة عالية وبأسعار أعلى من قطاع خاص.
الخصخصة إلى الصدارة في الخطط الاقتصادية
سياسة الخصخصة ليست وليدة العهد بالمملكة، بل هي سياسة ابتدأتها الدولة منذ 2003م تقريباً؛ إذ تم إعلان النية لخصخصة نحو 20 قطاعاً حكومياً.. إلا أن هذه الخصخصة أخذت شكلاً جزئياً؛ إذ تخلت الدولة عن بعض الحصص من ملكيتها في هذه الشركات في كثير من الأحيان. وحرصت الدولة في معظم الأحيان على الاحتفاظ بحصص بنحو 30 – 50 %. وتمثلت حصص القطاع الخاص في حصص التشغيل، في مقابل احتفظت الدولة بحصص معينة للحفاظ على الجانب الاجتماعي، خاصة ما يرتبط بالعمالة المواطنة.
وتعتبر تجربة قطاع الاتصالات من التجارب الناجحة في الخصخصة بالمملكة، بجانب كثير من القطاعات الأخرى، مثل قطاع النقل البحري والموانئ والمطارات، وحتى الأندية الرياضية الجاري الآن السير في خصخصتها.
الخصخصة المتوقعة في 2016م لترشيد الإنفاق الحكومي بالميزانية
الخصخصة المتوقعة هي خصخصة قطاعات الإنفاق الحكومي الكبير. ولو رغبنا في تحديد أعلى بنود الإنفاق بالميزانية سنجد أنها تتركز في التعليم والصحة؛ فهذان القطاعان هما الأعلى إنفاقاً بشكل سنوي، وليس من المتوقع أن يتراجع الإنفاق فيهما، وهما يمثلان معاً نسبة 44 % من المخصصات السنوية للإنفاق الحكومي. هذا الإنفاق هو دعم حكومي خالص ومجرد، ويذهب بلا رجعة. كثير من الدول بدأت تتجه لخصخصة قطاعات جزئية من هذه القطاعات الحيوية؛ إذ تعمل بأسلوب العائد – التكلفة؛ وتستطيع أن تنفق على نفسها ذاتياً. وبالعكس، فإن هذه الخصخصة تضمن في غالبية الأحيان تحسن مستوى جودة وكفاءة تقديم هذه الخدمات للمواطن.
وفي اعتقاد وحدة الأبحاث والتقارير بالجزيرة، فإن الدولة لو نجحت في خصخصة نصف هذه القطاعات التعليمية والصحية فإنها ستتيح وتدخر ما يعادل 189 مليار ريال، تذهب سنوياً إلى إنفاق أو دعم مقطوع لهما. وتعتبر وحدة الأبحاث بالجزيرة أن النصف الثاني من الإنفاق يمثل ضمانة لتقديم وإيصال خدمات هذين القطاعين لفئات وشرائح، لن تتمكن من الحصول عليها إلا بالشكل المجاني.. ومن ثم فإن عدم خصخصة النصف الثاني سيحفظ ويصون الجانب الاجتماعي، الذي هو مسؤولية الدولة في المقام الأول.
لذلك، فإن الحديث عن الخصخصة يحتاج إلى أن يأخذ في اعتباره التعليم والصحة؛ لكي يترك التأثير المتوقع على ترشيد الإنفاق الحكومي، ونتوقع فتح الطريق لخصخصة أجزاء أو أنشطة منهما مع تدفق أرقام موازنة عام 2016م خلال الأيام القليلة المقبلة.
والخصخصة التي تتم بالمملكة هي خصخصة تحت إشراف الدولة، من خلال حصصها الجزئية المتبقية؛ لذلك فإنها ستكون ضمانة لكي تحافظ على الجوانب الاجتماعية المرتبطة بتقديم الخدمات أو السلع بأسعار مناسبة، تتوافق مع ظروف الشرائح المقدمة لها.
____________________________________________________________________________________________
نُشر هذا التحقيق في جريدة الجزيرة السعودية ،، العدد 15974 الصادر يوم السبت 15 ربيع الاول 1437هـ الموافق 26 ديسمبر 2015 ،، والتحقيق موجود على الرابط التالي:
http://www.al-jazirah.com/2015/20151226/ec1.htm
اترك تعليقاً