الخصخصة: خيار استراتيجي

الرياض – فهد الثنيان

    قال محللون اقتصاديون ان ارقام موازنة العام 2016 تكشف عن رؤية الحكومة المستقبلية وتوجهاتها نحو استدامة النمو؛ واستكمال مشروعات التنمية؛ ودعم القطاع الخاص الذي ربما كان اكثر الخاسرين من اي خفض مفاجئ في الانفاق الحكومي.

 

تذبذب النفط يضع الخصخصة خياراً إستراتيجياً.. وكفاءة الإنفاق باتت شعاراً للموازنة

واشاروا في حديثهم ل»الرياض» الى ان خفض الانفاق التدريجي هو الخيار الامثل مع انهيار اسعار النفط؛ وامكانية انخفاضها عن مستوياتها الحالية؛ وبالتالي انخفاض الدخل الحكومي بوتيرة متسارعة قد تتسبب مستقبلاً في تفاقم العجز وتراكم الديون السيادية.

 

موازنة 2016 تكشف التوجه نحو استدامة النمو واستكمال مشروعات التنمية

 

 

ولفتوا بهذا الخصوص الى ان خيار الخصخصة ليس حلاً سحرياً، بل خيارٌ استراتيجي لا فكاك منه، من المهم الاستمرار في تبنيه وتطبيقه بزخم يتماشى مع الخطوات التي اقرها مجلس الوزراء الموقر في نوفمبر 2002، والسبب واضح وهو تذبذب النفط وايراداته.

 

اعتماد إنفاق 840 مليار ريال برغم توقعات الدخل المتحفظة يشكل تحدياً للحكومة

 

 

وقالوا ان اقتصادنا كابد الكثير جراء «تقلبات» الايرادات النفطية، تستوجب التحوط والتحييد حتى لا تؤثر سلباً على تطلعات التنمية والنمو، ولا سيما ان جهد التنمية المتوازنة الشاملة لا يحتمل التباطؤ، وان استيعاب المزيد من الشباب السعودي في سوق العمل ولجم البطالة يحتاج لخلق وظائف، والوظائف يولدها اقتصاد ينمو دونما تباطؤ، ووقود النمو هو التدفق المتواصل للاستثمارات كذلك دونما تباطؤ.

 

عجز الموازنة

في البداية قال المستشار الاقتصادي فضل البوعينين ان ميزانية العام 2015 اتت بعكس توقعات الهيئات الدولية؛ والشركات المالية المتخصصة التي توقعت ان يرتفع عجز الموازنة السعودية الى 22% من الناتج الاجمالي المحلي؛ حيث سجل العجز الحقيقي ما نسبته 13% فقط؛ وهي نسبة وبرغم ارتفاعها النسبي؛ الا انها تقل بكثير عما توقعه المراقبون؛ ويمكن تبريرها بالمتغيرات المالية الحادة التي نتجت عن انهيار اسعار النفط بنسبة تفوق 60% وبالتالي الانخفاض الحاد للايرادات الحكومية التي سجلت 608 مليارات ريال، مشيرا الى انه برغم حجم العجز الذي بلغ 367 مليار ريال، الا ان تغطية جزء منه من الاحتياطيات المالية ساعد على خفض حجم الدين العام الذي بلغ بنهاية العام الحالي 143 مليار ريال؛ اي ما يمثل 5.8% من الناتج المحلي الاجمالي؛ وهو امر جيد يساعد على مواجهة المتغيرات المالية مستقبلا.

وقال ان اللافت في ارقام العام 2015 هو التزام الحكومة بحجم نفقاتها المعتمد في الموازنة التقديرية؛ غير ان الاوامر الملكية ذات العلاقة بمكافأة الموظفين والموظفات ومخصصات البنية التحتية الطارئة؛ تسببت في رفع سقف النفقات، مشيرا الى ان التزام الحكومة بسقف الانفاق المعتمد يساعد كثيرا في ضبط الموازنة؛ وعدم تحميلها نفقات اضافية تتسبب في زيادة العجز؛ وبالتالي الدين العام.

وذكر ان ارتفاع نسبة الدخل الحكومي غير النفطي الى نحو 27% من مجمل الايرادات الحكومية في العام الحالي امر لافت؛ ويبعث على التفاؤل للوصول نحو نقطة توازن الدخل الحكومي وتنوعه مستقبلا.

ويرى البوعينين ان ارقام موازنة العام 2016 تكشف عن رؤية الحكومة المستقبلية وتوجهاتها نحو استدامة النمو؛ واستكمال مشروعات التنمية؛ ودعم القطاع الخاص الذي ربما كان اكثر الخاسرين من اي خفض مفاجئ في الانفاق الحكومي.

ويعتقد المراقبون ان خفض الانفاق التدريجي هو الخيار الامثل مع انهيار اسعار النفط؛ وامكانية انخفاضها عن مستوياتها الحالية؛ وبالتالي انخفاض الدخل الحكومي بوتيرة متسارعة قد تتسبب مستقبلا في تفاقم العجز وتراكم الديون السيادية.

ولفت الى ان اعتماد انفاق 840 مليار ريال برغم توقعات الدخل المتحفظة سيشكل تحديا كبيرا للحكومة؛ واذا ما اضفنا الى ذلك امكانية انخفاض اسعار النفط عما هي عليه اليوم؛ فسيكون الامر اكثر صعوبة مما نتوقع، قد يكون بند «دعم الموازنة» المحدد ب183 مليار ريال علاجا لمتغيرات الدخل مستقبلا؛ ما يعني تمتع الموازنة بمرونة اكبر تسهم في خفض المخاطر؛ وتضع البدائل المناسبة امام متخذ القرار.

 

حجم الانفاق الحالي

ومع هذه الارقام قال البوعينين ان اعتماد حجم الانفاق الحالي ربما كان على علاقة مباشرة بالاصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية الشاملة التي لا يمكن تحقيقها الا من خلال مجموعة من المعطيات؛ ومنها القطاع الخاص؛ الحكومة؛ الافراد والمجتمع.

واوضح ان تحقيق كفاءة الانفاق بات شعارا لموازنة العام الحالي؛ ومن خلال مراقبة حجم الانفاق للعام الماضي وآليته؛ يمكن القول ان هدف تحقيق كفاءة الانفاق بات مطبقا بشكل اكبر؛ الا اننا في حاجة لمراجعة بعض آليات القياس؛ وتقييم المشروعات؛ ومراقبة الانفاق وتحقيق معايير تنافسية المناقصات الحكومية التي سيسهم تطبيقها في الحد من الهدر والفساد، اضافة الى ذلك فتفعيل دور الجهات الرقابية؛ وزيادة صلاحيات مجلس الشورى في جانب مساءلة الوزراء والرقابة على مشروعات الوزارات الاستراتيجية وموازناتها سيسهم في تحقيق النزاهة، وكفاءة الانفاق.

واعتبر البوعينين بان تحدي الدخل سينعكس على حجم العجز؛ وبالتالي ستكون الحكومة مسؤولة عن توفير التمويل المناسب لسد العجز المقدر ب326 مليار ريال؛ وهو مبلغ كبير لا يمكن توفيره من خلال السندات المحلية؛ التي قد تقضي على السيولة المتاحة ان استطاعت البنوك تحمل جزء منها؛ ما قد يحرم القطاع الخاص من الحصول على التمويل المناسب؛ عوضا عن تسببها في رفع تكلفة التمويل، في وقت تفكر فيه الحكومة ضبط انفاقها مستقبلا؛ يصبح امر توفير مصادر تمويل بديلة من خارج السوق المحلية غاية في الاهمية؛ لضمان حصول القطاع الخاص على التمويل المناسب من القطاع المصرفي.

وقال انه برغم حساسية السندات الدولية؛ تبقى الخيار الانسب في الوقت الحالي؛ اضافة الى الاستفادة من عوائد الاستثمارات الخارجية؛ وربما سحب جزء من الاحتياطيات.

وحول خصخصة بعض القطاعات الحكومية افاد البوعينين بانها تعتبر جزء رئيس من الاصلاحات الاقتصادية المستهدفة خلال الاعوام القادمة؛ غير ان تنفيذها لن يتم في فترة زمنية قصيرة، البدء في خطواتها العملية؛ والمضي في متطلباتها الرئيسة سيساعد في انجازها وفق الفترة الزمنية المحددة لبرنامج التحول الوطني.

 

خصخصة بعض القطاعات

واوضح ان خصخصة بعض القطاعات ستسهم في تحقيق جودة الخدمات؛ وخفض التزامات الحكومة المالية وتوفير دخلا ماليا ينتج عن التخارج؛ وعن ايرادات حصصها المحدودة التي ستحتفظ بها مستقبلا، مشيرا الى ان برنامج التحول الوطني الذي يقوم عليه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؛ هو المحرك الحقيقي لخطط التنمية وحجم الموازنات وتحديد اولوية البرامج والمشروعات وجميعها تصب في جانب كفاءة الانفاق التي اصبحت شعارا لموازنة العام 2016م.

ونوه البوعينين بخطاب خادم الحرمين الشريفين الذي اكد فيه على ان الميزانية بداية عمل اصلاحات هيكلية شاملة لخدمة المواطن؛ ومباركته برنامج التحول الوطني الذي يعتمد على تطوير الاقتصاد وتنويع مصادرة ومصادر الدخل وتحقيق الشراكة مع القطاع الخاص؛ وتشديده -حفظه الله- على تحقيق تنافسية القطاع الخاص؛ وهو الامر الذي يضمن زيادة الانتاج وجودة المنتجات ورفع حجم الصادرات القادرة على خلق دخلا موازيا للنفط وموردا للعملات الصعبة.

وقال ان تأكيد الملك سلمان على محاسبة المقصرين وتطوير انظمة الرقابة لحفظ المال العام يشكل قاعدة الكفاءة المالية والادارية المطلوبة؛ فمن دون الرقابة الصارمة وقياس الاداء والمحاسبة لا يمكن تحقيق كفاءة الانفاق وجودة العمل، لذا يفترض ان يكون العمل المالي الحكومي قائما على هذه الاسس للوصول الى الاهداف المرجوة.

سيطرة روح التحدي

الى ذلك قال د. إحسان بوحليقة رئيس مركز جواثا الاستشاري انه مع اعلان الميزانية العامة للعام 2016، تبرز جملة من المعطيات الجديدة، منها سيطرة روح التحدي لتحقيق تحول هيكلي، بحيث ورد ذلك في بيان وزار المالية، ضمن برنامج متكامل مكون من 14 نقطة كل منها تمثل تحديا قائما بذاته، كذلك ما تحقق من نمو لافت في الايرادات غير النفطية بما يقارب 28 في المئة نسبة للعام الماضي 2014، والنقطة الثالثة وضع مخصص لاستقرار ايرادات الخزانه في حال انهيار اسعار النفط او حدوث طوارئ يستوجب الانفاق عليها.

واشار الى ثبات سياسة المملكة التنموية، من حيث اتساق مخصصات الانفاق على التعليم والصحة ضمن ما هو سائد للسنوات السابقة، وهو مرتفع بكل المقاييس، بما يبين ان هذه البنود تمثل اولوية مستقرة كونها تحقق توجهاً استراتيجياً لا يمكن التنازل عنه.

وتابع بانه مع اعلان الميزانية للعام 2016، وعند القراءة المتمعنة لما ورد في بيان الميزانية، نجد اننا وجهاً لوجه امام اعادة رسم دور القطاع الخاص، ودور القطاع الخاص ليس دوراً منزوياً، بل هو ما يمثل مخرجاً حقيقياً من مضائق النفط والريع، فماذا ان مكثت ايرادات النفط منخفضة، حالياً نعايش وضعاً صعباً مع الايرادات لكنه ليس جديداً، حيث تراجعت اسعار النفط بنحو 60 في المئة، وكانت ميزانية العام المالي الحالي 2015 قد صدرت بعجز قُدّرّ ابتداً ب145 مليار ريال وانتهت بعجز فعلي قدره 367 مليار ريال، وطرحت صكوك لتغطية جزءاً منه بقيمة 98 مليار ريال.

 

انخفاض إيرادات النفط

وقال بوحليقة ان الحديث عن انخفاض ايرادات النفط في احلك الظروف واصعب الاوقات حديث مكرر، فقد عايشنا التأرجحات الممجوجة لسوق النفط، وبدأ القلق من تراجع اسعار النفط خلال النصف الثاني من العام 2014 عندما فقد نحو نصف قيمته، ومع عودة قصور الايرادات عن تغطية المصروفات يعود سيناريو اقتصادي، لا نخرجهُ من خِبائهِ الا عند الاضطرار، فما ان تتراجع اسعار النفط حتى تقفز للواجهة مقولة ان علينا التخفيف من سطوة النفط على مقدرات الخزانه العامة، وانه لا سبيل لذلك الا بتنويع مصادر ايراداتها، ولن يتحقق ذلك الا بالتحول الاقتصادي من الريع الى الانتاج.

واشار الى ان هذه النقاشات تاخذنا الى اجواء بداية الالفية، اي قبل نحو 15 عاماً، عندما احتدم النقاش عن اهمية الخصخصة؛ توسيعاً لدور القطاع الخاص، وتحقيقاً لتنويع مصادر الخزانه العامة، وتمخض ذلك عن تحديد مشاريع للخصخصة اُعلن عنها رسمياً في نوفمبر 2002، وشملت مشاريع تؤدي لخصخصة عشرين قطاعا اقتصاديا، وذلك في مسعى لمعالجة العجز الذي كانت تعاني منه ميزانية الدولة آنذاك، وتضمنت تلك المشاريع خصخصة المرافق والخدمات العامة بما فيها الخدمات الصحية والاجتماعية، كما ضمت بيع اسهم شركات حكومية كشركة الكهرباء السعودية.

وشملت ايضا فتح مجال الاتصالات وتحلية المياه والخدمات الجوية وانشاء الطرق وتكرير النفط امام القطاع الخاص، على ان تحدد مشاركة القطاع الخاص، وحجم تلك المشاركة وتوقيتها استناداً لاستراتيجية الخصخصة، التي صدرت عن المجلس الاقتصادي الاعلى في يونيو من العام نفسه (2002).

وقد وضعت الاستراتيجية اسسا لاجراءات الخصخصة، وتعيين القطاعات التي ستعرض للبيع للقطاع الخاص السعودي والمستثمرين الاجانب، ووضع جدول زمني لنقل بعض الخدمات الى مشاريع تجارية خاصة.

وقال بوحليقة ان الرؤية كانت وقتها (العام 2002) ان العائدات التي ستجنى من صفقات الخصخصة ستستخدم في تسديد ديون المملكة الداخلية التي كانت تزيد آنذاك عن 600 مليار ريال، وتجدر الاشارة الى ان الاستراتيجية كانت تنفذ تباعاً، ففي نهاية ذلك العام طُرحت 30 في المئة من ملكية الحكومة في شركة الاتصالات السعودية للاكتتاب العام.

واضاف بوحليقة «الآن وبعد مرور نحو عقد ونصف على اقرار استراتيجية الخصخصة، ومعايشة تراجع ايرادات النفط وتصاعد النفقات، فما هي الخيارات المتاحة لتجنيب اقتصادنا الوطني الآثار الانسحابية لتقلص ايرادات النفط، ولتجنبنا كذلك العودة لتصاعد الدَين العام نسبة للناتج المحلي الاجمالي، لا سيما ان العجز المقدر للعام المالي 2016 يبلغ 326.1 مليار ريال، وسطوة النفط تتزايد ضغوطها على ايرادات الخزانه العامة».

 

 

الخصخصة خيار استراتيجي

ونوه بهذا الخصوص الى ان خيار الخصخصة ليس حلاً سحرياً، بل خيارٌ استراتيجي لا فكاك منه، من المهم الاستمرار في تبنيه وتطبيقه بزخم يتماشى مع الخطوات التي اقرها مجلس الوزراء الموقر في نوفمبر 2002، والسبب واضح وهو ان ِشان النفط وايراداته التذبذب، وان اقتصادنا كابد الكثير جراء «تقلبات» الايرادات النفطية، تستوجب التحوط والتحييد حتى لا تؤثر سلباً على تطلعات التنمية والنمو، ولا سيما ان جهد التنمية المتوازنة الشاملة لا يحتمل التباطؤ، وان استيعاب المزيد من الشباب السعودي في سوق العمل ولجم البطالة يحتاج لخلق وظائف، والوظائف يولدها اقتصاد ينمو دونما تباطؤ، ووقود النمو هو التدفق المتواصل للاستثمارات كذلك دونما تباطؤ.

وهكذا نجد ان جهد تنويع اقتصادنا والتخفيف من وطاة النفط عبارة عن سلسلة مترابطة الحلقات، بحاجة مستمرة ان تتحرك للامام سواء ارتفع سعر النفط ام انخفض، وفي المحصلة فهذا يعني اهمية فًصل مسار الخصخصة عن مسار «الحاجة للسيولة»، واحتضان الخصخصة باعتبارها تحوطاً ضد تَفرّد النفط بمقدرات المالية العامة، وسياجاً واقياً للتنمية والنمو.

وحول توجة الحكومة نحو الانفاق قال بوحليقة ان السمة الحالية هو استمرار توجة الحكومة في العام 2016 للمحافظة على مستوى انفاق في حدود ما كان مقدراً للاعوام السابقة «860 مليار ريال»، وذلك للاستمرار في الانفاق على التعليم «192 مليار ريال»، والصحة «105 مليارات ريال»، والامني والعسكري «213 مليار ريال»، وكذلك وضع مخصص لاستقرار الانفاق فيما لو تراجعت الايرادات.

وبداهة، فسيكون غاية في الصعوبة ان ننفق اكثر من الايراد عاماً بعد عام، ولا سيما ان المملكة بذلت جهداً كبيراً للخروج من دائرة الدين العام المرتفع الذي وازى –من حيث القيمة- في وقت من الاوقات الناتج المحلي الاجمالي.

وقال انه بالقطع، لا يطمح احد للعودة لتلك الكَرة؛ ديون وسداد ديون والمبالغ المترتبة عليها لتنافس بناء المدارس والمستشفيات، كما ان لا احد يطمح للعودة مرة اخرى للتوقف العملي لبرنامج استكمل وتحديث البنية التحتية، الذي جعلنا نستاجر آلاف المدارس ونعاني من نقص في جوانب عدة منها نقص في عدد الاسرة وقصور في الصرف الصحي.

 

الإنفاق الرأسمالي

واشار بوحليقة الى انه على سبيل المثال فان ما حققته المملكة خلال العشر سنوات الماضية من انفاق راسمالي ضخم توجه للبنية التحتية ولزيادة السعة الاقتصادية، ادى لرفع نسبة الاستثمار الى الناتج المحلي الاجمالي من 18 في المئة الى نحو 28 في المئة، مما ادى لتواصل النمو دونما انقطاع خلال تلك الفترة، رغم ما مر بها من احداث اقتصادية عالمية عاتية، ليس اقلها الازمة المالية العالمية، التي تزامت بكساد شامل وانهيار لاسعار النفط، لكن المملكة وفي تلك الايام العصيبة حزمت امرها بان اطلقت برنامجاً تحفيزياً يرتكز على ضخ ضخم في النية التحتية، وعلى مدى خمس سنوات، وها هي تجدد عزمها لاستمرار زحم الانفاق التنموي خلال العام 2016، وبذات الوتيرة، تحقيقاً للتنمية الشاملة المتوازنة ولبناء سعة الاقتصاد السعودي.

ولفت الى انه الآن امامنا تحديات لا تقل حدة عما مضى، كونها تتركز في اختلال هيكلي في سوق النفط، سلعتنا الرئيسية والمصدر الاساس للانفاق العام، فقد تراجع سعر النفط بنحو 60 في المئة، واخذ يبدو واضحاً ان اسعاره لم تصل للقاع بعد، بما يرجح ان العام 2016 سيشهد مزيداً من ضعف اسعار النفط، والعلة بقاء اسباب زيادة العرض مع احتمال وصول مزيد من النفط الايراني للاسواق، واحتمال ضعف اداء الاقتصاد العالمي هيكلياً من جهة، ولقوة الدولار الاميركي مقارنة ببقية العملات من جهة اخرى مما يجعل قدرة الدول على شراء النفط –المقوم بالدولار الاميركي- اقل.

 

متوسط سعر برميل النفط

ويرى بوحليقة انه في المحصلة يوجد ما يبرر الاستنتاج ان متوسط سعر برميل النفط قد يبلغ 30 دولاراً خلال 2016، وفي حال انطباق هذا الافتراض، فان ايراداتنا من التصدير النفط في حدود 300 مليار ريال، اما الايرادات غير النفطية فهي تشهد نمواً جوهرياً في العام 2015، وعليه فيمكن افتراض انها ستنمو بنحو 30 في المئة كذلك في العام 2016، وهكذا وفي حال دقة تلك الافتراضات، فان ايرادات الخزانه العامة للعام 2016 قد تتجاوز 513 مليار ريال المقدرة في الميزانية، وفي حال بقاء الانفاق عند مستوياته الراهنة في حدود 840 مليار ريال، فهذا يعني ان العجز للعام 2016 قد يتقلص لما دون 300 مليار ريال.

وتساءل بوحليقة هل نستطيع الاستمرار بتحمل عجز قدره 326 مليار ريال، الحل تنمية الايرادات غير النفطية، والحد من الهدر، والسحب من الاحتياطي، والاقتراض محلياً، لكن لا بد من السداد، كما انه لا بد من تجنب السحب من الاحتياطي قدر المستطاع لارتباط ذلك بمؤشرات الاقتصاد السعودي اجمالاً.

كما ان الاقتراض ليس مفتوحاً والسبب كذلك قدرة البنوك المحلية على الاقراض محدودة، ويبدو ان الحدّ للاقتراض لن يتجاوز 100 مليار، او نحو 3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وليس خياراً الانطلاق للاقتراض الخارجي، الا في حدود مقننة واخذاً في الاعتبار جملة عوامل اقتصادية وسياسية، وتقليدياً تتجنب المملكة الاقتراض الخارجي، ففي الثمانينيات اتخذت قراراً بان تغطي عجز الميزانية عبر الاقتراض المحلي، وهكذا نجد اننا عملياً اما خيار خفض الانفاق من جهة وتنمية الايرادات غير النفطية في آنٍ معاً.

ومن هذا المنطلق وفقا للاقتصادي بوحليقة فان ميزانية 2016 ستدار بإدارة تقشفية، لتحقيق العنوان العريض وهو الكفاءة، دون التاثير بصورة جوهرية على زخم الانفاق الراسمالي لا سيما الذي يتعلق ببناء السعة، فهي تؤثر تاثيراً مباشراً على قدرة الاقتصاد على النمو مستقبلاً.

—————————————

نشر هذا التحقيق في جريدة الرياض، العدد17358 الصادر يوم السبت 21 ربيع الاول 1437 الموافق 2 يناير 2016

 

 

 

 

 

تاريخ الاضافة : Sun 24 Oct 2021 عدد المشاهدات : 294 مشاهده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

code

أسئلة؟ دعنا نتحدث
دعم العملاء
تحتاج مساعدة؟ دردش معنا على الواتس اب