هجران العمران

د. فيصل بن الفديع الشريف

 

ليس هناك ماهو أسوأ على العمران من ان يهجره اهله. تُعمر المباني للإستخدام مهما اختلف، فإذا لم تستخدم فإنها تبدأ في التهالك شيئا فشيئا حتى تصبح غير صالحة للإستخدام. واذا لم تُستخدم بالكلية فإنها تتحول الى أموال مهدرة، اذا ان التكاليف الرأسمالية والتشغيلية على مدى عمر المشروع الى ان وصل لهذه الحالة تعتبر تكاليف عالية جدا، بالإضافة الى انها تصبح مصدر ضرر للبيئة المحيطة بها، ومصدر للتلوث الصحي، وقد يتعدى ذلك عندما يزيد تهالكها الى مخاطر التهدم على من فيها وما حولها.

ينتقل السكان وحتى المنظمات من مدينة الى أخرى، ومن حي الى آخر، تبعا لظروف وأسباب كثيرة، ويتركون خلفهم مباني جميلة لا تلبث، ان لم تستخدم، حتى تتحول مع مرور الزمن الى خرابات تأوي اليها الحيوانات الضالة والحشرات، وقد تكون مأوى للجريمة والفساد. واذا ما سلمنا ان التنقل امر طبيعي، فما هو الحل في المباني القديمة ان لم تعد تتسع لمستخدميها او لا تناس استخدامهم؟

مررت قبل ايام بمبنى جميل كان ايقونة العمارة الحديثة في الرياض، المبنى عمره حوالي خمسة واربعون سنة، صممه احد اشهر المعماريين في العالم، المبنى مملوك لجهة استثمارية، وكان مشغولا بمستأجر (إدارة حكومية) انتقل الى موقع آخر واستاجر مبنى احدث. وبقي المبنى القديم بلا استخدام منذ حوالي ثلاث سنوات. ما زال المبنى صامدا لكن آثار الهجران كانت واضحة عليه، وهذا ما جعلني اكتب هذا المقال لمناقشة هذه الحالة التي نراها تتكرر كثيرا. وحتى نتفادى ما تفترضه نظرية النافذة المكسورة broken windows theory التي تُشير الى ان العلامات الظاهرة للعيان والتي تدل على الفوضى، مثل المباني المهجورة، تُظهر انه ليس هناك من يهتم، وبذلك تشجع على المزيد من الفوضى.

دائما ما يدور الحديث عن أهمية إدارة المرافق (التي تُعرف عادة بالصيانة والتشغيل)، وكيف تأثيرها على زيادة فترة دورة حياة المشروع وذلك بالحفاظ عليه وحتى اجراء اللازم لتغيير استخدامه ان لزم الامر. واعتقد ان الدمج بين إدارة المرافق وإدارة الأصول العقارية المعنية بالجدوى الأساسية وحتى الجودة الطارئة او المتغيرة للمشاريع، سيساهم في معالجة هذه الظواهر وحصرها ومن ثم إعادة استخدامها في أخرى للمحافظة عليها. تُشير بعض الدراسات الى ان كل دولار يُستثمر في تجديد البيئة العمرانية والمباني المهجورة، يُنتج عائدا يترواح بين 1.5 الى 3 دولارات، وهذا ينقلنا الى تأثير إعادة استخدام المباني على التنمية الاقتصادية، وما تؤدي اليه من خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الأنشطة التجارية حول المكان.

 

الرياض

12 شوال 1446هـ

الموافق 10 أبريل 2025

 

 

https://x.com/F_Alsharif/status/1910334356486258879

 

تاريخ الاضافة : Thu 10 Apr 2025 عدد المشاهدات : 84 مشاهده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

code

أسئلة؟ دعنا نتحدث
دعم العملاء
تحتاج مساعدة؟ دردش معنا على الواتس اب