د. فيصل بن الفديع الشريف
الاختصار مهارة مهما كان مجال تطبيقه، مادام انه لا يُخل بكيفية تحقيق الأهداف ولا يُؤثر على المعنى ولا ينقص في المُراد. كتب ونستون تشرشل رئيس وزارء بريطانيا رسالة عامة الى موظفي الحكومة البريطانية عام 1940 طلب منهم الاختصار في الكلام والتركيز على المهم فقط في التقارير والخطابات التي يكتبونها حين قال “نحن نقوم جميعا -في سبيل أداء واجبنا- بقراءة كميات كبيرة من الأوراق، وكلها تقريبا أطول بكثير مما يجب، وهذا مضيعة للوقت، في الوقت الذي يجب فيه استغلال طاقة الفرد في البحث عن النقاط الجوهرية، وعليه فإنني اسأل كل زملائي وموظفيهم ان يتأكدوا من ان تقاريرهم قصيرة”. وكتب نزار قباني ديوانه قاموس العاشقين في تجربة اختزال القصيدة العربية للوصول الى المعنى المطلوب في بيتين او ثلاثة، والعرب تقول “بيت القصيد” كناية عن المقصود الأساسي، وحديثا توجهت منصة تويتر Twitter، التي غيرت اسمها الى منصة اكس X بعدما اشتراها الن ماكس، الى اختصار الأفكار في 140 حرفا فقط، زادتها الى الضعف مؤخرا، ثم تخلت عن الفكرة للمشتركين. وفي التسويق هناك ما يسمى بعرض المصعد Elevator Pitch او فكرة الثلاثين ثانية لعرض الأفكار والاقناع بها في اقل فترة زمنية ممكنة.
ما يهمنا هنا هو اختصار متعلق بالإدارة وموجه الى اختصار الاجراءآت بالتحديد، ويعرف بهندسة الاجراءآت، ويعني إعادة التفكير في الاجراءآت ودراستها بعناية بشكل دوري والإبقاء فقط على المهم منها. وهو امرٌ تقدمت فيه الحكومة السعودية الى درجة كبيرة تخطت بذلك القطاع الخاص المعروف بالكفاءة الإدارية، وبذلك حققت مراكز متقدمة في تبسيط ونسهيل واتمتة الاجراءآت حتى اصبحنا نُكمل اعمالنا ومتطلباتنا واحتياجاتنا ونحن في بيوتنا. ويمكن اختصار الاجراءآت بتوفر إرادة الإدارة العليا لتحقيق ذلك أولا، وتكليف من يقوم بمراجعة الاجراءآت بشكل دوري واستيضاح وجهات نظر المستخدمين والتخلي عن غير الضروري من الاجراءآت سواء بالاستغناء عن بعضها او دمج بعضها او للوصول الى المطلوب في اقصر اجراء ممكن. وقد يكون انشاء اداراة خاصة بالبحث والتطوير Research and Development حافزا لتحري الأفضل وتحقيق مبدأ التحسين المستمر للحصول على اعلى معدلات الأداء في اقصر وقت ممكن للوصول الى اعلى درجات رضى العميل.
يروى عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب انه قال ” من كثر كلامه كثر سقطه”، وقد يكون في تعقيد الاجراءآت وزيادتها عن ماهو مطلوب ما يفتح المجال لخطأ الموظف وتذمر المستفيد وعدم رضاه، وربما يؤدي ذلك للفساد أيضا. لذلك تُنصح المنظمات بإعادة النظر في اجراءآتها بشكل دوري واختصارها بما لا يخل في تحقيق المراد.
مقال نُشر في نشرة “إشراقة” التي تصدرها كليات الشرق العربي ،، العدد 58 الذي صدر بتاريخ الاول من رمضان 1445هـ الموافق 11 مارس 2024م.
للإطلاع على النشرة ،، الرجاء الضغط هنا ..
اترك تعليقاً