الخصخصة سلاح ذو حدين

عبدالله بن عبالرحمن الربدي

 

أطلقت السعودية برنامج التحول الوطني، وأحد أهم بنوده هو برنامج الخصخصة، التي ستشمل قطاعات مهمة مثل الصحة، التعليم والإسكان وغيرها، وفي المجمل 13 وزارة لديها برامج خصخصة، ما يعتبر المشروع الأعظم والأكبر في برنامج التحول الوطني والأكثر حساسية، لما فيه من تأثير مباشر في المواطن، لكن هل الخصخصة أمر ضروري وما فوائدها؟ وسلبياتها؟

بدأت الخصخصة كمفهوم ومشاريع من الثمانينيات في عهد الرئيس الأمريكي “ريجن” وانتشرت وأخذت زخما أقوى في التسعينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت والخصخصة تأخذ مسارا تصاعديا وتنتقل من البلدان المتقدمة إلى الناشئة. الخصخصة يجب أن تفهم على أنها عملية ذات أهداف بعيدة المدى مدفوعة باحتياجات وأهداف محددة مسبقا، فلذلك عندما تقرر الحكومة تسليم إدارة منفعة أو خدمة معينة إلى القطاع الخاص يجب أن تحدد احتياجات الحكومة والأهداف المرجوة من هذه العملية، ومن ثم يتم من خلالها تقييم أداء القطاع الخاص ومدى تحقيقه هذه الأهداف. هنالك آراء كثيرة حول الخصخصة ما بين مناصر ومعارض، سأتناول أهم هذه النقاط، وكيف من الممكن أن نستفيد منها في برنامج الخصخصة لدينا.

أهم فوائد الخصخصة: تحقيق عوائد مالية للحكومة، تحول المستفيد في القطاع الحكومي إلى عميل في القطاع الخاص سيرفع من مستوى الخدمات المقدمة له، وتزيد المنافسة من قبل مزودي الخدمة وبالتالى تنخفض أسعار الخدمات، وكمثال لذلك تخصيص شركة الاتصالات وكيف كان الحال عندما كانت الحكومة تديرها، وبعد أن أصبحت شركة تحسنت الخدمات وانخفضت الأسعار، وكذلك في حال طرحها للاكتتاب وللسوق المالية فستكون عنصر جذب وانتعاش للأسواق، حسب التجارب السابقة لنا، وفي كثير من الدول.

أما أكبر عيوب الخصخصة، فهو أن هم القطاع الخاص هو الربح، وهذا قد يؤدي إلى امتناع القطاع الخاص من تقديم خدماته “مثل التعليم” في الأماكن غير المربحة، مثل بعض القرى والهجر قليلة السكان، أو لفئات مكلفة عليه، مثل الرعاية الصحية لكبار السن أو ذوي الأمراض المزمنة، وغيرها من الأمثلة التي غالبا ما سيقصر أو يمتنع القطاع الخاص عن تقديمها، وهنا يجب أن تتدخل الحكومة لتحمي هذه الفئات من قصور الخدمات عنهم.

بعض الخدمات أو المنافع ذات طبيعة احتكارية مثل خدمة مياه الشرب، وهذه في حال خصخصتها ستنقل الاحتكار من الحكومة إلى القطاع الخاص، الذي سيتحكم في الأسعار، لذلك من الأفضل عدم نقل الاحتكار إلى القطاع الخاص وجعل الحكومة هي المحتكرة له. أهداف الشركات في الغالب قصيرة الأمد، ولذلك لن تستثمر الشركات ولن تطور في القطاعات المخصصة بشكل طويل الأمد، بل ستهتم لتحقيق عوائد على المدى القصير، وهذا سيبقي هذه القطاعات بدون تطوير ولا استثمار. هنالك كثير من المآخذ على الخصخصة، لكن – حسب أكثر الدراسات والبحوث – إن المنافع تغلب على العيوب، ولكي نحسن من عملية الخصخصة يجب الأخذ ببعض النقاط والانتباه إليها:

– لقد صاحب كثير من عمليات الخصخصة حالات من الفساد والانتفاع لكثير من أصحاب القوى والشركات الكبرى في البلاد التي طبقتها، وحتى في ظل أقوى الدول شفافية وديمقراطية مثل بريطانيا، وهو أمر قد يتكرر لدينا، ولكي نمنع وجوده وحتى لا يصبح مصدر نفع لأشخاص أو كيانات تستفيد وتحتكر منافع الدولة، يجب تطبيق شفافية عالية وممارسات عادلة على الجميع، وقوانين وأنظمة صارمة تمنع تكوين كيانات تجارية ضخمة تحتكر أنشطة البلد، تتوسع من جراء عمليات الخصخصة وسن نظام ومساءلة شفاف وقوي، وتحديد الأهداف المستهدفة من الخصخصة على أن يتم تقييمها بشكل مستمر ودوري.
– يجب تنويع طرق الخصخصة حسب الحاجة والأهداف والقطاع، فمثلا هنالك طريقة إنشاء شركة مساهمة “شركة الاتصالات مثلا” أو عن طريق بيع القطاع بشكل مباشر أو ملكية حكومية مسيطرة في الشركة، ثم بيع أجزاء منها بعد فترة وغيرها.
– من المهم وجود جهة حكومية واحدة تدير جميع عمليات التخصيص، من قوانين وإشراف تحت لوائح محددة ونظام مصمم، لتقليل “التدخل البشري” في اتخاذ القرار بمن يفوز بالخصخصة.
– يجب تحديد الجهات الرقابية لكل قطاع لتراقب الأداء بعد الخصخصة، وتكون مستقلة وبعيدة عن الضغوط، لتحكم الرقابة على القطاع الخاص، وألا ينتهي دور الدولة مع عملية البيع.
– عند تخصيص قطاع يجب تحديد نسب النمو والاستثمارات المطلوبة من المستثمر لتحدد من ضمن الاشتراطات، ويتم تقييمها بعد إتمام التخصيص.
– يجب أن يحمل المستثمر الخبرات اللازمة والقيمة المضافة لإدارة وتملك القطاع المخصص، حتى تكون المخرجات أفضل من الإدارة الحكومية السابقة.
– يجب تخصيص جزء من متحصلات البيع لتمويل صندوق يهتم بالموظفين، الذين سيتضررون من إلغاء وظائفهم من قبل المستثمر الجديد.
– بعض القطاعات قد تقسم، ومن ثم يباع كل على حدة، ما يجعل “بعض” المسؤوليات ضائعة بين القطاعات الجديدة، وهذا يحدث في الكيانات الكبيرة عادة، وعليه تجب دراسة هذا الجانب بشكل موسع ودقيق.
– ستصاحب مشاريع الخصخصة عمليات مرافقة لها، مثل التمويل ومتعهدي التغطية والاستشارات، التي متوقع أن تكون بأحجام ضخمة وغير مسبوقة لهذه القطاعات، ويبدو أن المصارف والشركات الاستثمارية والاستشارية العالمية تتنافس على هذه العوائد الكبيرة، ولذلك أقترح أن تعطى هذه العقود لشركات ومصارف محلية، ومن ثم تتعاون في حال عدم مقدرتها مع شريك أجنبي، وألا تذهب هذه العوائد بشكل كلي أو مباشر لهم، من دون استفادة أطراف سعودية منها.

في الختام موضوع الخصخصة كبير جدا، ولن يسعه مقال لتناول جميع جوانبه، لكن يجب التركيز على أهمية منع احتكار أو تكوين كيانات تجارية ضخمة، سواء في قطاعات حساسة جدا مثل الصحة والتعليم أو غيرهما، وتكون الخصخصة بوابة لهم ليتحكموا في قطاعات كاملة، وتركز الثروة والاقتصاد في يدهم، وبالتالي تنقلب عملية الخصخصة إلى وبال على المواطنين والاقتصاد بشكل عام، وهذا كله في يدنا الآن لمنع نشوئه، وضمان ممارسات عادلة تأخذ في عين الاعتبار رفاهية المواطن، وعدم تضرره، وعدالة توزيع الثروات.

_____________________________________

نُشر هذا المقال في جريدة الإقتصادية السعودية، الاربعاء 18 يناير 2017 الموافق 20 ربيع الاخر 1438هـ، ويمكن الاطلاع عليه على موقع الجريدة على الرابط:

http://www.aleqt.com/2017/01/18/article_1122641.html

 

تاريخ الاضافة : Sun 24 Oct 2021 عدد المشاهدات : 744 مشاهده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

code

أسئلة؟ دعنا نتحدث
دعم العملاء
تحتاج مساعدة؟ دردش معنا على الواتس اب