مشاريع التعليم المتعثرة

سطام المقرن

المشاكل الداخلية التي تعاني منها وزارة التعليم والوزارات الحكومية الأخرى، تُعدّ من أهم أسباب تعثر المشاريع، وهدر المال العام، وتفشي أوجه الفساد المالي والإداري

 

صرّحت وزارة التعليم بأنها بدأت باتخاذ خطوات عملية لإيجاد حل لمشاريع المباني التعليمية والإدارية المتعثرة والمؤجلة، وذلك من خلال إسنادها إلى شركة تطوير للمباني، بالإضافة إلى أن الوزارة أنهت حصر المباني المتعثرة، و«وضعت عمليات إعادة ترسيتها وإسنادها إلى جهات مختصة»، والوزارة في صدد «إعلان جميع المراحل التي ستتخذها حيال ذلك، وتعمل على إعداد تقارير دورية، سيتم الإفصاح عنها، متضمنة حالة وأعداد المدارس وتكلفتها، وذلك فور الانتهاء من اكتمال العقود اللازمة، واعتمادها من الجهات ذات العلاقة لاستكمالها وتهيئتها؛ لتكون مباني مدرسية لاستقبال الطلاب والطالبات».

تقدّر مشاريع وزارة التعليم المتعثرة بأكثر من 700 مشروع تعليمي في جميع مناطق المملكة، من ضمنها 200 مبنى تعليمي، تم إسنادها إلى إحدى الشركات الصينية بقيمة إجمالية بلغت 2 مليار ريال، الأمر الذي أدّى إلى استئجار أكثر من 1300 مدرسة بديلة لا تتوافق مع البيئة المدرسية السليمة، وقد بررت الوزارة أسباب تعثر تلك المشاريع إلى أسباب تتعلق بالشركة الصينية، ولم توضح أسباب تعثر المشاريع المتبقية، كما لم توضح عدد المشاريع التي تم إسنادها إلى شركة تطوير للمباني! ولهذا لابد من تسليط الضوء على واقع إدارة المشاريع في وزارة التعليم.

تعتبر الإدارة العامة للمشروعات – إحدى الإدارات العامة التابعة لوكالة المباني – بوزارة التعليم، المسؤولة عن متابعة تنفيذ المباني التعليمية والإدارية وفقاً للمواصفات الفنية، والبرامج الزمنية الخاصة بها، وتقوم ببعض المهام، والتي منها حصر الأعمال التي تم تنفيذها ومراجعتها طبقاً للعقود، والمشاركة في تشكيل لجان الاستلام الابتدائي والنهائي للمباني التعليمية والإدارية، ومراجعة محاضر لجان الاستلام، والتأكد من تنفيذ المشاريع طبقا لعقودها والشروط والمواصفات، وتقييم جودة تنفيذها، ورفع التقارير اللازمة لجهات الاختصاص بالنتائج والتوصيات، وعمل زيارات ميدانية لجميع المشاريع الجاري تنفيذها في مختلف إدارات التعليم، وغير ذلك من مهام واردة تفصيلاً في الدليل التنظيمي للوزارة.

والإدارة العامة للمشروعات كغيرها من الإدارات الحكومية الأخرى، تعاني من مشاكل إدارية ورقابية، والتي تعتبر من أهم أسباب تعثر مشاريع المباني التعليمية، ومن ذلك على سبيل المثال:

عدم بذل العناية الكافية في اختيار المقاولين وفق شروط محددة، وضعف المتابعة والإشراف على تنفيذ المشاريع، والدليل على ذلك عند سحب بعض المشاريع المتعثرة من المقاولين غير الملتزمين بشروط ومواصفات العقود، تتم إعادة ترسية تلك المشاريع إلى شركات ومؤسسات صغيرة غير مؤهلة وضعيفة الخبرة، بالإضافة إلى عدم اتخاذ الإجراءات النظامية والقانونية بحق المقاولين المتعثرين.

بالإضافة إلى ما سبق، هناك إشكاليات إدارية تتمثل في عدم وجود مصفوفة صلاحيات تحدد صلاحية كل مستوى وظيفي في الإدارة، وبالتالي عدم معرفة حدود سلطات ومسؤوليات كل موظف، الأمر الذي يؤدي إلى غياب المساءلة على عمليات الإدارة، وعدم وضوح آلية الاعتماد والموافقة على تلك العمليات، مما قد يتسبب في عمليات غير مصرح بها، ناهيك عن عدم وجود وصف وظيفي مفعل، وعدم وضوح نطاق عمل الموظفين في الإدارة، الأمر الذي يؤدي إلى تعدي الموظف على مهام غيره من الموظفين، وهذا يعتبر من المخاطر الإستراتيجية التي يمكن أن تؤدي إلى التلاعب والاحتيال وضياع المسؤولية.

تنتشر في بعض الإدارات الحكومية، عشوائية حفظ مستندات المشاريع، ولهذا قد نجد وثائق ومستندات غير مكتملة نظامياً من توقيع أو ختم أو تصديق، وبالتالي تزداد مخاطر ضياع أو فقدان أو سرقة مستندات ووثائق المشروع، وعدم القدرة على معالجة الأخطاء والانحرافات بسبب ضياع المعلومات، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع حقوق الوزارة وعدم القدرة على متابعة المشاريع بكفاءة وفعالية.

ومن الإشكاليات الرقابية فيما يتعلق بلجان الاستلام الابتدائي والنهائي للمشاريع، عدم تحديد أهداف ومسؤوليات هذه اللجان، الأمر الذي يؤدي إلى إهمال الأعضاء لواجباتهم، وغياب المساءلة حول أعمالهم، بالإضافة إلى تكرار تشكيل بعض الأعضاء واستخدام المقاول والمشرفين على المشاريع كأعضاء في اللجان (لجنة تسليم الموقع، لجنة معاينة المشروع في نهاية مدة العقد…)، مما يؤدي ذلك إلى ضعف الرقابة والإشراف، وتعارض الاختصاصات، وتضارب المصالح.

بالإضافة إلى ما سبق، يشتكي بعض المقاولين من تأخر تسليم مواقع المشاريع بفترة تزيد على أكثر من شهرين من تاريخ توقيع العقود من قبل الوزارة، مما يؤدي ذلك إلى تأخير المقاولين في مباشرة أعمالهم، وتأخرهم في تسليم المشروع، ناهيك عن بطء تجاوب الوزارة مع خطابات المقاولين، وعدم توجيههم بالوقت المناسب، مما يشكل خطراً على الوزارة في ضعف موقفها القانوني إذا رفع أحد المقاولين قضايا عطل أو ضرر أمام القضاء.

ومما سبق، تم استعراض بعض المشاكل الإدارية والرقابية بشكل مقتضب، والتي قد تعاني منها الإدارة العامة للمشروعات في وزارة التعليم، وتجدر الإشارة هنا إلى وجود إدارة أخرى لها علاقة مباشرة بالمشاريع، وهي الإدارة العامة للمشتريات، بالإضافة إلى لجان فتح المظاريف، وفحص العروض، واللجنة الفنية، وهذه الإدارة واللجان تعاني أيضاً من مشاكل إدارية ورقابية لا مجال لذكرها هنا، ولكن من المهم تسليط الضوء على المشاكل الداخلية التي تعاني منها وزارة التعليم والوزارات الحكومية الأخرى، والتي تعدّ من أهم أسباب تعثر المشاريع، وهدر المال العام، وتفشي أوجه الفساد المالي والإداري.

 

————————————

نُشر هذا المقال للكاتب سطام المقرن، في جريدة الوطن السعودية الصادرة بتاريخ 8 يناير 2018 ،،

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع الجريدة ،، ومتابعة التعليقات

 

تاريخ الاضافة : Sat 23 Oct 2021 عدد المشاهدات : 821 مشاهده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

code

أسئلة؟ دعنا نتحدث
دعم العملاء
تحتاج مساعدة؟ دردش معنا على الواتس اب