د. فيصل بن الفديع الشريف
تم الإعلان عن تقديرات الميزانية العامة للدولة السعودية للعام المالي 1433/1434هـ، حيث تضمنت برامج ومشاريع جديدة ومراحل إضافية لبعض المشاريع التي سبق اعتمادها تبلغ قيمتها الإجمالية 265 مليار ريال تمثل أكثر من 38 في المائة من إجمالي حجم النفقات العامة التقديرية التي بلغت 690 مليار ريال. ويوضح هذا الرقم حجم التوجه للبناء والتنمية بدعم مباشر من القطاع العام. وحتى مع عدم توضيح حجم المصروفات حسب الأبواب الرئيسة للميزانية للتعرف بشكل أدق على المخصص للباب الرابع الخاص بالمشروعات بالمقارنة مع بقية الأبواب، إلا أن ما تم الإعلان عنه في الرقم السابق يمثل بحق نقلة نوعية في حجم المشاريع الجديدة أو التي تحت التنفيذ خلال عام واحد. ومع هذا الإنفاق السخي على المشاريع إلا أن الاهتمام بالمشاريع فيما يخص الجانب التشريعي أو الإجرائي ما زال ضعيفا للغاية. فالعقد الذي يتم التعاقد على المشاريع باستخدام صيغته يسمى عقد الأشغال العامة، وهو العقد الذي صدر قرار مجلس الوزراء قبل خمس سنوات (في بداية 1428هـ) بإعادة النظر فيه وإعداد صياغة جديدة له بالاسترشاد ببنود عقد المشاريع الإنشائية الدولي (عقد فيديك)، وشرعت وزارة المالية في إعادة النظر هذه، لكنها لم تنته حتى الآن، فهل يتناسب تأخير خمس سنوات على تنفيذ قرار مجلس الوزراء لإعادة النظر في العقد الذي يتم التنفيذ على أساسه مع حجم المشاريع التي تطرح كل سنة؟
يتم تنفيذ المشاريع بكفاءة اعتمادا على مدى تأهيل العاملين في إدارة هذه المشاريع، والواقع الذي تعانيه المشاريع هو ضعف التأهيل في مجال إدارة المشاريع بشكل عام، وهو سبب رئيس في تعثر كثير من المشاريع الحيوية خصوصا في ظل عدم وجود منهجية محددة وواضحة للمشاريع. وتأتي أهمية التأهيل للعاملين في مجال المشاريع من اعتمادها بشكل مباشر على كفاءة العاملين عليها ابتداء من الدراسات الأولية للمشروع، مرورا بتصميمه وطرحه وترسيته وتنفيذه، إلى تسليمه وتشغيله بصورة سليمة. فكل العمليات التي تتطلبها المشاريع لا يمكن أن تتم إلا بوجود من يقوم بعملها، وإذا كان من يعملها غير مؤهل في هذا المجال، فكيف نتوقع أن تكون النتائج جيدة وفعالة؟ وينطبق هذا الطلب على جميع العاملين في مجال إدارة المشاريع في القطاعين العام والخاص. ناهيك عن ضرورة تأهيل العاملين في مجال التشييد والبناء سواء كانوا حرفيين أو مهندسين يعملون في عمليات البناء وليس في إدارتها. إن التأهيل يكون بالتوجيه والتدريب والممارسة الفعلية بضمان مقاييس أو معايير يتم على أساسها قياس الإنجاز ومعرفة مدى التقدم ومعالجة الانحرافات.
تستمر ميزانية الدولة السنوية في دعم الإنفاق على مصروفات الباب الرابع من أبواب الميزانية وهو الباب الموجه للمشاريع استكمالا لمسيرة التنمية، وبما أننا دولة نامية ما زالت لدينا حاجة كبيرة إلى المزيد من مشاريع البنية التحتية والمرافق، فقد طالب كثير من المختصين بإنشاء هيئة للمشاريع تكون المسؤولة عن تنظيم ومراقبة قطاع المشاريع والعاملين في هذا المجال من مُلاك ومقاولين ومشرفين وأفراد. وقد أنهى مؤتمر إدارة المشاريع الثالث الذي نظمته الهيئة السعودية للمهندسين في نيسان (أبريل) من هذا العام جلساته بالتوصية بإنشاء جهاز أعلى للإشراف على المشاريع وتكون مهامه تطوير خطط المشاريع، ووضع منهجية علمية وعملية لإدارة المشاريع، والإشراف والرقابة على تنفيذ المشاريع مع وضع الخطط الشاملة للتأهيل والتدريب والترخيص للكوادر العاملة في مجال إدارة وتنفيذ المشاريع من جميع النواحي الفنية والقانونية والإدارية والمالية.
________________________________________
مقال للدكتور فيصل الفديع الشريف، نُشر في جريدة الاقتصادية، العدد 6655 الصادر يوم السبت 6 صفر 1433 الموافق 31 ديسمبر 2011 .
للإطلاع على المقال ،، إضغط هنا ..
اترك تعليقاً